وما الدنيا إلا فرن كبير!ا
وما الدنيا إلا فرنٌ كبير! ا
والدنيا ليست فرناً لأن الجو في مصر حار جاف صيفاً- وإلخ إلخ شتاءاً!- وهي ليست فرناً لأن المواصلات في بلدنا تشبه الـ "مايكرووييف"، اطلاقاً.. الدنيا فرن كبير تشبيه أريد به نقل معاناة ساعتين تقريباً رأيت فيهم مصر في الفرن "فرن العيش البلدي حبيبي!"ا
كانت زيارة مكوكية لفرن "أبو العلا"، في المرات التي زرت فيها الفرن من قبل لم تكن عندي روح الإصرار والالتحام مع الجماهير كما كان في هذا اليوم التاريخي الموافق 21 يونيو 2008 – وهو بالمناسبة يوافق ذكرى ميلاد عبد الحليم حافظ، ورحيل سعاد حسني!- طيب بالذمة "وإحنا مالنا؟!".. بصراحة لك الحق عزيزي القاريء، لكن ضميري- كالعادة- يلح عليّ في أن أشركك في الحدث- هي قناة النيل للأخبار أجدع مني؟.. ونقطة الانطلاق كانت من عند أمي "يا مروة هاتِ بجنيه عيش، احنا الساعة تلاتة العصر والفرن هايكون فاضي!"- فاضي زي كل مرة!- لم أفكر فيما حدث لي سابقاً.. "هي فين العباية بتاعتي!"ا
معاكِ واسطة يا شابة؟!ا
أول ما يلفت نظرك وأنت واقف في ذلك الفرن، الآية القرآنية المكتوبة على حائط الفرن بخط لا بأس به- من سورة الكهف- "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"، وهذا ما يعطيك انطباع انهم قوم عندهم ضمير ومتدينين، لكن ينقلب الانطباع للضد تماماً عندما تقف وحيداً أعزلاً إلا من قفصك وانت تطالب بحقك القانوني "10 أرغفة مثلاً"- لأنك يا حضرة المحترم نكرة مش معرفة!- ينقلب الانطباع إلى حالة شياط خاصة إذا كنت مثلي تخطيت مرحلة كبيرة في أولمبياد القفز لشباك الفرن دون "شتيمة واحدة"أو "لكمة مفاجئة".. انجاز بعد أن وقفت نصف الساعة في الصفوف الخلفية.. ووقفت أمام الشباك، لا تتخيلوا سحر هذا الشعور "خلاص أخيراً هايشوفني!"- لا مش فتى أحلامي.. بائع الخبز طبعاً!- فقط سأقول بصوت شبه مسموع "بجنيه عيش".. لكن هيهات وهيهات.. رغم أحقيتي بالشراء أولاً، تأتي سيدات أخريات ويأخذن في دقيقة، بل ويقمن أحياناً بضربي حتى يتمكن من اخراج أقفاصهن سليمة من الشباك ، والذي أثار غيظي أكثر أن احدى السيدات المحتلات اقتحمت الساحة قائلة لي "اوعي يا ست انتِ!" طبعاً لم أصمت ولم أترك حقي قلتها واضحة "أنا مش ست انتِ!"، فقالت لي بمنتهى الأدب "خلاص يا أبلتي كده ينفع؟!".. "إحم آه كده ممكن!"- وتأملوا البائع وهو يصرخ بين الحين والآخر "يا زوبة يا حصري قفصك.. يا أم كيمو قفصك.. وهلم جرا".. وكل قفص يخرج عليه بحوالي ثلاث أو أربع جنيهات- أطق أنا من بائع جاهل موسيقياً؟! ماذا لو كان من مستمعي "إليسا"؟! كان أخذ بنصيحتها الشهيرة "لو بصيت قدامك..!" فعلى الرغم من توافر الشروط القياسية فيّ "ماسكة قفصي.. متشعلقة في شباك الفرن باليد الأخرى".. أصر على قبول الوساطة!ا
ماذا تتوقعوا مني وأنا أحاول أن أفهم هذا البائع أني في أول الطابور؟! بصراحة ليس على المهروس حرج!، لن أنتحر مثل الشاب "عبد الحميد شتا" الذي لم يقبل في الوظيفة الكبيرة رغم استحقاقه لها لأنه غير لائق اجتماعياً = عديم الوساطة! ولن أرمي نفسي تحت أقدام الجماهير، فقط وقفت هادئة، وبعد أن نادى قائمة أسماء طويلة، جاء الدور على فاتنة الحي عندنا "شادية"- ولا كنت عمري أعرفها!- وهنا زادت درجة الحرارة وهو ينادي "شادية.. يا شادية.. يا شادية!" وهي لا ترد، وأنا واقفة لمدة ساعة منتظرة يقول لي يا "لمبي"حتى! موقف عصيب! بدأت تلقائياً وهو ينادي "يا شادية".. أقول "عبد الحليييم.. يا عبد الحليم!"- لم أقصد تجريح طبعا فقط أردت تخفيف حدة الموقف- لم أنتبه إلى أن "شادية" وصلت فعلاً وأنا أقول "يا عبد الحليم".. هنا سمعت من تقول "مين اللي بستظرف دي!.. بلاش أقول....".. نظرت خلفي فإذا بي بشابة لا تزيد عن 18 سنة ممتلئة القوام، وفيما يبدو انها مستعدة للضرب! قلت لها محاولة استخدام لغة الحوار الهادف – خذوا بالكم من هادف!- "ليه ماله عبد الحليم.. ده جميل خالص.. حتى لو كان عايش كنت فكرت أتجوزه!"- حوار عاقل طبعاً!- ومع الأسف لم تتقبل الدعابة، وهذا طبعاً لأنها كانت من ضمن الجمهور الذي حاول التشويش على "عبد الحليم" في حفل "قارئة الفنجان" الأخير 1976!- هذه أحدث تطبيقات نظرية المؤامرة حضرتك!- أو لأنها من جمهور "بعرور"؛ كان ردها قاسِ "ابقي روحي اتجوزيه.. بس في التُرب!".. ردت سيدة بجواري ضاحكة بصوت خافت "يالهوي شادية! دول بتوع ساندويتشات كبدة!".. طيب سليمة!ا
عايزة أتجوز.. ابن خالتي!ا
وسط تلك الأجواء الغريبة رزقني الله بزهرة حالمة -تبدو في الخامسة عشر من عمرها- ملامحها جميلة، هندامها غير منسق، وممزق أيضاً، كانت واقفة جواري.. سألتني عن اسمي، وبالتالي عرفت اسمها "هايدي"، قالت لي أن سنها 19 عاماً.. وتدرس في الصف الثاني الاعدادي!- سألتها عن سنة ميلادها، أجابتي بأنها لا تعرفها.. فأيقنت أنها أخطأت التقدير"حتى لو رسبت أكثر من عام فلن تتعدَ الـ 16" سألتني وأنا أتأمل بغيظ أقفاص "الوسايط"، "انتِ مخطوبة؟؟!"- يا سبحان الله وده وقته يا هايدي!- لوحت لها بيدي اليمنى "لا"، استأنفت حديثها "على فكرة ابن خالتي اسمه أحمد وعنده 13 وماشي في الـ 14"- إيه ده بقى؟ عريس عيل ليّ!- استأنفت "تفتكري ينفع أتجوزه؟!"- الحب عند شباك الفرن!- قلت لها وأنا مشغولة بالعيش "يا هايدي انتِ أكبر منه بكتير".. قالت "آه بس هاتجوزه صح؟.. ينفع؟" قلت لها "ما تستعجليش".. سألتها "انتِ نفسك تتجوزي؟!".. قالت "أيوة.. أيوة!".. لم يكن المجال متسعاً للكلام في أحلامها الوردية.. فقط رددت أنها ستتزوج من "أحمد" وسط ذلك الجو الخانق.. وفي ظل وقوفها المستميت من أجل خمسة عشر رغيفاً.. طيبة يا بنتي!ا
نهايته.. وما مصر إلا فرن كبير!ا
اندهشت – أو اصطنعت الدهشة- وأنا أشاهد ساعتين بث حي مباشر لما يدور في مصر المحروسة "في فرن عيش".. لست من هواة تفسير حكاية تفصح عن نفسها أصلاً بكل قوة.. فقط سأستمع- مؤقتاً- إلى نصيحة الكبار في منزلنا عندما اخبرتهم بكل "وقاحة" أني "لازم أشتكي الفرن ده.. وأوديهم للتموين في 60 داهية!".. لن أنسَ نظرة الاستخفاف "امشي يا بنتي.. هاتشتكي الحكومة.. للحكومة؟!"ا
______________________
اعتذار واجب لكل المدونين في التدوينة السابقة.. أعتذر لعدم الرد.. ظروف كمبيوترية
:)
صباح الورد
Comments