افتح ‏الباب ‏


ها هو، ما أخاف منه يقف على بابي، كيف مرت هذه السنين الطوال في لمح البصر؟ هل أفتح الباب؟ ليت الحياة سهلة مثل الروايات، حتى الحياة الروايات لم تعد سهلة. «افتح الباب يا محمد»، قالتها أمي بالتزامن مع طرقات محصل الفواتير على باب الشقة، تردد صدى جملتها الاعتيادية في خيالي كعلامة.. «افتح الباب» لماذا لا أفتحه؟ ولماذا أفتحه؟!  

في الصباح كنت في طريقي للمكان السري الذي طلب مني أبي أن أذهب إليه بعد وفاته بعشرة أعوام لأستخرج منه صندوقًا «يا محمد لا تذهب قبل مرور عشرة أعوام بالساعة.. هذه وصيتي وإلا طاردتك اللعنة!»، دهستني الأيام يا أبي! كم مرة في السنوات الماضية غلبت فضولي؟ أي لعنة تلك التي كانت ستطاردني وحياتي كلها لعنة؟! واليوم، وبعد أن جاء الميعاد أريد أن أفلت منه، لا أريد أن أفتح الباب.. ماذا عساني أن أجد؟! كنز؟ كان بيت جدي القديم الكائن في قرية من قرى مركز الزقازيق هو المكان الذي اتفق معي أبي أن أذهب إليه، بيت قديم كنا نزوره حتى سنوات قريبة ثم انقطعنا، في كل مرة كنت أحوم حول المكان المتفق عليه ثم يبدأ قلبي في الخفقان.. والآن أقف أمامه لا أريد أن أخطو خطوة، تذكرت أمي وهي تقول «افتح الباب»، بسم الله.. حفرت في أرضية حجرة أبي القديمة، بدأت معالم الصندوق الخشبي تتضح، شيء متوقع يا أبي.. خطاب في ظرف أصفر؟! 


ابني الغالي محمد

طبعًا ستكون مرت عشر سنوات على وفاتي، تمنيت ألا تأتي هنا وتقرأ خطابي هذا، ولكنك أتيت، حتمًا سأشعر بك! أشعر بتأنيب ضمير أنني كنت سببًا في مجيئك لهذه الدنيا البائسة يا حبيبي، رغم كل محاولاتي في حياتي بمعايرتك أنني كنت سبب وجودك، أخطأت.. لم يكن هذا عملًا عظيمًا أشعر بالفخر تجاهه، سامحني على غروري وقسوتي وغبائي.. ياه، كم كنت غبيًا! تعرف؟ وصيتي الحمقاء هذه تمنيت أن لا تنفذها وتنطلق في الحياة وتقول في نفسك أن أبي قد جُن قبل موته، لكني كنت أنانيًا، أردت أن تتذكرني طوال هذه السنوات.. خفت أن تنساني، أردت أن أكون حاضرًا في حياتك حتى لو بوصية وهمية مؤجلة، أعرف أنك جئت هنا خوفًا من عدم تنفيذ الوصية واللعنات وربما طمعًا في كنز ما، تعرف؟ حتى لو لم تأت إلى هنا كنت قد أوصيت أمك أن لا تخبرك قبل مرور عشر سنوات أن هذا البيت لك، أتمنى أن تحتفظ بخطابي هذا، أتمنى أن تعرف كم أحببتك حتى لو فات الأوان وأصبح هذا الحب لا معنى له.. أتمنى أن تتذكرني دائمًا" 

من أبيك المحب: جمال 


Comments

Popular posts from this blog

من الزقازيق لمصر الجديدة! ا

وما الدنيا إلا فرن كبير!ا

سنة أولى ابتدائي